ﻋﺼﺮ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ 800 - 1900 ﻡ image
ﻋﺼﺮ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ 800 - 1900 ﻡ
ﻗﺎﻣﺖ ﺃﻭﻝ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ-
ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ، ﻭﻫﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻛﺎﻧﻢ ﺷﻤﺎﻝ ﺷﺮﻕ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ ﺛﻢ ﺍﺗَّﺴﻊ
ﻧﻔﻮﺫﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ- ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ، ﺣﺘﻰ ﺷﻤﻞ
ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻷﻭﺳﻂ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ . ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻲ ﻟﻐﺔ
ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ .
ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻤﺎﻟﻚ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ ﻣﺜﻞ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺑﺮﻧﻮ ﻭﻣﻤﻠﻜﺔ
ﺑﺎﻗﺮﻣﻲ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻋﻮﻳﻀﻲ ، ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ
ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ، ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ، ﻭﻇﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻮﻝ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ
ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﺘﺸﺎﺩ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ .
ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ
ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ، ﺃﺩﻯ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﺻﻬﺮﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻰ
ﺗﻄﻮﺭ ﻭﺍﺳﻊ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻲ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺴﺎﻓﺎﻧﺎ
ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻣﻮﺍﺻﻼﺕ
ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺍﻟﻰ ﺗﺴﻬﻴﻞ ﺑﺮﻭﺯ
ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺻﺤﺮﺍﻭﻳﺔ ﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻭﻣﻨﺘﺠﺎﺕ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻠﺢ، ﺍﻷﺣﺼﻨﺔ، ﺍﻟﺴﻼﺡ
ﻭﺍﻟﺨﺮﺯ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺳﻞ ﺟﻨﻮﺑﺎً، ﻭﺍﻟﻌﺎﺝ ﻭﺍﻟﻌﺒﻴﺪ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﻠﺒﻮﻥ ﺍﻟﻰ
ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ. ﺍﻟﻔﺎﺋﺾ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻲ، ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ، ﺃﻭﺟﺪﺍ
ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻏﻨﻴﺔ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﻭﻫﻲ : ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻛﺮﻳﻢ
ﺑﻮﺭﻧﻮ، ﻭﻣﻤﻠﻜﺔ ﻭﺩّﺍﻱ، ﻭﻣﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺒﺠﻴﺮﻣﻲ. [ 1]
Group of Kanem-Bu warriors
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ ﺃﺳﺲ " ﺍﻟﺰﻏﺎﻭﺓ " ﺍﻟﺮﻋﺎﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎﺕ
" ﻋﻴﻨﺪﻱ" ، ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ ﺣﻮﻝ ﻣﺪﻳﻨﺔ " ﻛﺮﻳﻢ" ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻮﺍﻃﺊ
ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻟﺒﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ. ﻭﻗﺪ ﻧﻤﺖ ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﻛﺮﻳﻢ، ﻭﺿﻤﺖ
ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﻢ ﺃﻗﻮﺍﻡ "ﺍﻟﺘﻮﺑﻮ " ﻣﻦ ﻣﺮﺗﻔﺎﺕ
"ﺗﻴﺒﺴﺘﻲ ." ﻭﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ
ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ، ﺣﻜﻢ " ﺍﻟﺼﻔﻮﺓ" ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ " ﻛﺮﻳﻤﺒﻮ "، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮﻥ
ﺍﻻﻧﺤﺪﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻏﺎﻭﺓ، ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﻛﺮﻳﻢ . ﻭﻗﺪ ﺟﻠﺐ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﻭﻥ
ﻟﻠﺼﺤﺮﺍﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﻰ ﻛﺮﻳﻢ، ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺘﺸﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻭﺍﺳﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ
ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ.
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺸﺮ، ﻭﻋﻘﺐ ﻧﺰﺍﻉ ﺩﺍﺧﻠﻲ، ﺳﻤﺤﺖ ﻛﺮﻳﻢ ﻟﻌﺮﺏ
" ﺍﻟﺒﻼﻻ" ﺑﺈﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﺼﻔﻮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻓﻔﺮﻭﺍ ﺍﻟﻰ ﺇﻗﻠﻴﻢ
" ﺍﻟﺒﻮﺭﻭ" ﻓﻲ ﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ، ﺣﻴﺚ ﺃﻧﺸﺄﻭﺍ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻗﻮﻳﺔ .
ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻜﻤﺖ ﻣﻦ ﻋﺎﻡ ( 1365 ﺣﺘﻰ 1922 )
ﻗﺎﻣﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﺑﺤﻴﺮ « ﺗﺸﺎﺩ» (ﺃﻯ : ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ
ﺍﻷﻭﺳﻂ)، ﻭﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﺑﺤﻴﺮﺓ «ﻓﺘﺮﻯ »، ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻣﻨﻬﺎ
ﺣﺘﻰ ﺑﺤﻴﺮﺓ « ﺗﺸﺎﺩ »، ﻭﻇﻬﺮﺕ ﻛﺪﻭﻟﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﻣﻨﺬ
ﻋﺎﻡ (766 ﻫـ = 1365ﻡ )، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ،
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻰ . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ
ﻣﻦ ﻃﻮﻝ ﻣﺪﺓ ﺑﻘﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮﻭﻫﺎ ﻛﺜﻴﺮًﺍ
ﻭﻟﻢ ﻳﻬﺘﻤﻮﺍ ﺑﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺴﻠﻄﻨﺔ «ﺍﻟﻜﺎﻧﻢ ﻭﺍﻟﺒﺮﻧﻮ » ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ
ﻣﻦ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ . ﻭﻳﻌﻮﺩ ﺍﺳﻢ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ » ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻝ ﺯﻋﻴﻢ ﻟﻬﻢ ﻭﻳﺪﻋﻰ
« ﺑﻮﻻﻝ» ﺃﻭ «ﺑﻼﻝ » ﺃﻭ « ﺟﻴﻞ » ﺃﻭ « ﺟﻠﻴﻞ »، ﻭﻣﻨﻪ ﺟﺎﺀ ﺍﺳﻢ ﺃﻭﻝ
ﺯﻋﻤﺎﺋﻬﻢ ﻭﻫﻮ « ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ » ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﺍﺳﻢ «ﺑﻼﻟﺔ » ﺃﻭ «ﺑﻮﻻﻟﺔ»
ﻣﻦ « ﺑﻮﻟﻮ» ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻨًﺎ ﻟﻘﺒﺎﺋﻞ «ﺍﻟﺒﻴﻮﻣﺎ » ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ
« ﺑﻴﻮ» ( Biyo) ، ﺛﻢ ﺃُﺿﻴﻒ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ ﺍﻟﺘﻤﺎﺷﻜﻰ (ilalla ) ﻓﺠﺎﺀ
ﺍﺳﻢ « ﺑﻮﻻﻻ» ﺃﻭ «ﺑﻼﻟﺔ »، ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺍﻷﺣﺮﺍﺭ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ، ﻭﺭﺑﻤﺎ
ﺟﺎﺀ ﺍﻻﺳﻢ ﺃﻳﻀًﺎ ﻣﻦ ﺍﺳﻢ ﻣﻴﻨﺎﺀ ﻛﺎﻥ ﻭﻻﻳﺰﺍﻝ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ
ﺍﻟﺸﺮﻗﻰ ﻟﺒﺤﻴﺮﺓ « ﺗﺸﺎﺩ »، ﻭﻳﺴﻤﻰ «ﺑﻮﻝ » ( Bol)، ﺛﻢ ﺃُﺿﻴﻒ ﺇﻟﻴﻪ
ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ ﺍﻟﺘﻤﺎﺷﻜﻰ، ﻓﺼﺎﺭ «ﺑﻮﻻﻻ» ﺃﻭ « ﺑﻼﻟﺔ» ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻄﻘﻪ ﺍﻟﺒﻼﻟﻴﻮﻥ
ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ. ﺃﻣﺎ ﺃﺻﻞ ﻗﺒﺎﺋﻞ « ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ» ﻓﻘﺪ ﺟﺎﺀ ﻧﺘﻴﺠﺔ
ﺍﺧﺘﻼﻁ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺳﻜﻨﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﻭﻫﻲ : ﺍﻟﺒﺮﺑﺮ ﻭﺍﻟﻌﺮﺏ
ﻭﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺍﻟﺰﻧﺞ، ﻭﻗﺪ ﺗﺼﺎﻫﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻓﺄﺩَّﻯ ﺫﻟﻚ
ﺇﻟﻰ ﺍﻣﺘﺰﺍﺟﻬﻢ ﻭﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺗﻬﻢ. ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ » ﻭﺛﻨﻴﻴﻦ ﺣﺘﻰ
ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻯ؛ ﺣﻴﺚ ﺃﺳﻠﻤﻮﺍ ﻋﻘﺐ ﺇﺳﻼﻡ ﺑﻨﻰ ﻋﻤﻮﻣﺘﻬﻢ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺜﻠﻮﻥ ﻓﻲ « ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺍﻟﺴﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﻏﻮﻣﻴﺔ » ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ
« ﻛﺎﻧﻢ » ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻯ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻯ. ﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ
ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﺧﻄﺮ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ » ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻃﻴﻦ ﺩﻭﻟﺔ « ﻛﺎﻧﻢ » ﻣﻨﺬ ﻭﻗﺖ
ﻣﺒﻜﺮ، ﺭﻏﻢ ﺻﻠﺔ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻭﻳﻌﻮﺩ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ
« ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ» ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﺎﻭﻟﻮﻥ ﺍﻟﺘﺨﻠُّﺺ ﻣﻦ ﺗﺒﻌﻴﺘﻬﻢ ﻷﻗﺮﺑﺎﺋﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻡ
« ﻛﺎﻧﻢ »، ﻭﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻄﺮ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ ﺃﻭﻝ ﺳﻼﻃﻴﻦ «ﻛﺎﻧﻢ »
ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻯ (ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ) «ﺃﻭﻡ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ » ( - 1086
1097ﻡ ) ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺎﺭﺑﻬﻢ ﻭﺍﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﺄﻋﻠﻨﻮﺍ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﺨﻀﻮﻉ،
ﻭﻇﻠﻮﺍ ﻳﺘﻘﻠﺒﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻥ « ﻛﺎﻧﻢ » ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮ
ﺯﻋﻴﻤﻬﻢ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻑ ﺑﺎﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎﺀ ﻭﻫﻮ «ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ
ﺳﻴﻜﻮﻣﺎﻣﻰ » ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻘﻖ ﻟﻬﻢ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ
ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ( 1365ﻡ )، ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻌﺎﻭﻧﺔ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﻳﻦ ﻓﻲ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﻭﺍﺗﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ «ﻣﺎﺳﻴﻮ » ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﺑﻴﻦ «ﺑﺤﻴﺮﺓ
ﻓﺘﺮﻯ » ﻭ« ﻛﺎﻧﻢ » ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﻪ. ﺛﻢ ﺣﺎﺭﺏ ﻣﺎﻳﺎﺕ ﻛﺎﻧﻢ ﻭﺍﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ،
ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻭﻗﻊ ﺇﻗﻠﻴﻢ « ﻛﺎﻧﻢ » ﺑﺄﺳﺮﻩ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ »، ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻢ
ﻳﺤﻜﻤﻮﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ « ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ » ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻭﺑﻼﺩ
« ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ» ﺣﺘﻰ ﺷﻮﺍﻃﺊ «ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ» ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ﻭﺍﺿﻄﺮﺕ « ﺍﻷﺳﺮﺓ
ﺍﻟﺴﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﻏﻮﻣﻴﺔ » ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻓﻲ «ﻛﺎﻧﻢ » ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺇﻗﻠﻴﻢ
« ﺑﺮﻧﻮ » ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻏﺮﺏ «ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ ». ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ ﺣﻜﺎﻡ
« ﺑﺮﻧﻮ » ﺃﻥ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﻭﺍ ﻗﻮﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﺎﻯ « ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺟﻰ ﺑﻦ ﺩﻭﻧﻤﻪ »
ﺍﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻐﺎﺯﻯ؛ ﻧﻈﺮًﺍ ﻟﻐﺰﻭﻩ ﺇﻗﻠﻴﻢ «ﻛﺎﻧﻢ »، ﻭﻧﺸﺐ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ
« ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ» ﺻﺮﺍﻉ ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻡ ( 1472 ﻡ) ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻻﺳﺘﺮﺩﺍﺩ « ﻛﺎﻧﻢ»
ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻓﺘﺮﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺑﻌﻘﺪ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﻼﻡ،
ﺍﺗﻔﻘﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻢ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺑﻴﻦ «ﻛﺎﻧﻢ » ﻭ «ﺑﺮﻧﻮ » . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ
ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻳﺪﺏ ﻓﻲ ﺟﺴﺪ ﺳﻠﻄﻨﺔ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ »؛
ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻭﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ، ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺇﻣﺎﺭﺍﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ
ﺑﺪﺃﺕ ﺗُﻐِﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﻨﺔ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ »، ﻣﺜﻞ ﺳﻠﻄﻨﺔ «ﻭﺍﺩﺍﻯ » ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ
ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﺮﻗﻰ ﻟﺪﻭﻟﺔ « ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ» ، ﻭﺳﻠﻄﻨﺔ «ﺑﺎﺟﺮﻣﻰ » ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ
ﻓﻲ ﺟﻨﻮﺑﻴِّﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﺑﻰ. ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻀﻌﻒ ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ؛ ﺣﻴﺚ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ
ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻰ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ( 1900ﻡ )، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺣﻜﻢ ﺑﻌﺾ
ﺳﻼﻃﻴﻦ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ » ﺗﺤﺖ ﺭﺍﻳﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ، ﻭﻇﻠﻮﺍ ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻧﺎﻟﺖ
ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ( 1960ﻡ ) ﻭﺩﺧﻠﺖ ﺑﻼﺩ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ » ﺿﻤﻦ
ﺣﺪﻭﺩ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ «ﺗﺸﺎﺩ » ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ. ﻭﻗﺪ ﺃﺩَّﺕ « ﺳﻠﻄﻨﺔ
ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ » ﺩﻭﺭًﺍ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﻭﻋﻠﻤﻴﺎ ﻭﺩﻳﻨﻴﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ؛ ﺇﺫ
ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮًﺍ ﻟﻤﻮﻗﻌﻬﺎ ﺑﻴﻦ « ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ» ﻭ «ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ » ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ، ﻭ « ﻛﺎﻧﻢ»
ﻭ «ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ» ﻭﻣﺎﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻼﺩ « ﺍﻟﻬﻮﺳﺎ» ﻭ « ﻣﺎﻟﻰ » ﻓﻲ
ﺍﻟﻐﺮﺏ، ﻭ« ﻟﻴﺒﻴﺎ » ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ - ﻣﺮﻛﺰًﺍ ﻣﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﺄﺗﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﻣﻤﺎ ﺍﻧﻌﻜﺲ ﺃﺛﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﻭﺩَﻋْﻢ
ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻫﺎ، ﻭﺭَﺑَﻂ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺩﻭﻝ ﺗﻘﻊ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻨﻄﻘﺔ «ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ »،
ﻭﺍﺗﺴﻌﺖ ﺗﺠﺎﺭﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ « ﻣﺼﺮ » ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ، ﻛﻤﺎ
ﺯﺍﺩﺕ ﻣﺤﺼﻮﻻﺗﻬﺎ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ: ﻓﻘﺪ ﺗﺠﻠﺖ ﻓﻲ
ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﻭﺍﻷﺷﺮﺍﻑ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳُﻌﺎﻣَﻠُﻮﻥ ﺑﻜﻞِّ ﺗﺒﺠﻴﻞٍ
ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻡٍ، ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮﺕ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ «ﺍﻟﺘﻴﺠﺎﻧﻴﺔ»
ﻭ « ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﻳﺔ »، ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺃﺛﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ . ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻠﻐﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺘﺸﺮﺓ ﺑﻴﻦ «ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ »، ﻓﻬﻲ ﻋﺪﻳﺪﺓ،
ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﻟﻐﺔ « ﻛﻮﻛﺎ» ﻭﻫﻲ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻤﻠﻜﺔ
« ﺟﺎﻭﺟﺎ» - ﺃﺣﺪ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﺒﻼﻟﺔ - ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﺃﻳﻀًﺎ ﺍﻟﻠﻐﺔ
ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﻟﻐﺔ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺳﻼﺕ، ﺣﺘﻰ ﻗﻀﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ
ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺣَﻮَّﻟَﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻭﻑ
ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﺎﻟﻰ - ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ - ﻳﺤﺎﻓﻈﻮﻥ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻣﻌﻈﻤﻬﻢ - ﺃﻯ ﻧﺤﻮ ( %85) -
ﻳﺪﻳﻨﻮﻥ ﺑﺎﻹﺳﻼﻡ.
ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﻮﺭﻭ ﻗﺪ ﺍﻣﺘﺪﺕ ﻓﻲ ﺃﻭﺟﻬﺎ ﺍﻟﻰ
"ﺳﻮﻧﻐﺎﻱ " ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﺍﻟﻨﻴﺠﺮ ﻏﺮﺑﺎً، ﻭﺇﻟﻰ ﻓﺰﺍﻥ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ
ﺷﻤﺎﻻً. ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻨﺎﻃﻘﻬﺎ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ﻳﺪ " ﺍﻟﻔﻮﻻﻧﻲ" ، ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺔ
ﺳﻮﻛﻮﺗﻮ. ﺛﻢ ﺗﺪﺍﻋﺖ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﻮﺭﻭ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً ﻟﺘﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺭﺍﺑﺢ
ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ، ﺍﻟﻌﺎﻡ ١٨٩٣ﻡ.
ﻭﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻦ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﻮﺭﻭ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻕ، ﺃﺳﺲ "ﺍﻟﻄﻨﺠﻮﺭ " ﻣﻤﻠﻜﺔ
ﻭﺩّﺍﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ، ﻭﺳﻨﻮﺭﺩ ﺫﻛﺮﻫﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ
ﺍﻟﻄﻨﺠﻮﺭ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻭﺩﺍﻱ ﺗﺪﻓﻊ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﻮﺭﻭ
ﻭﻣﻤﻠﻜﺔ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ ﺍﻷﻗﻮﻯ ﻣﻨﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺑﻬﺎ ﻭﻗﻮﻳﺖ ﻭﺍﺑﺘﻠﻌﺖ
ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺘﻴﻦ، ﻛﻤﺎ ﺳﻨﻔﺼﻠﻪ ﻻﺣﻘﺎً.
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ١٨٣٥ﻡ، ﺍﺳﺘﻐﻠﺖ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ
ﻓﻲ ﻭﺩﺍﻱ، ﻭﻗﺎﻣﺖ ﺑﻐﺰﻭﻫﺎ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﺑﻴﺪ ﺭﺍﺑﺢ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ
ﻋﺎﻡ ١٨٩٠ﻡ .
ﺃﻣﺎ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﺒﺠﻴﺮﻣﻲ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻊ ﺟﻨﻮﺏ ﺷﺮﻕ ﺑﻮﺭﻭ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻﺗﻬﻤﻨﺎ
ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ . ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ، ﻗﺎﻡ ﺭﺍﺑﺢ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ
ﺑﺈﻧﺸﺎﺀ ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺗﺸﻤﻞ ﻛﺎﻣﻞ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻘﺎﺭﺓ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ. ﻓﺒﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ
١٨٨٠ ﻭ١٨٩٠ﻡ، ﻫﺰﻡ ﻭﺿﻢ
ﻭﺩّﺍﻱ ﻭﺍﻟﺒﺠﻴﺮﻣﻲ، ﻭ" ﺃﺩﺍﻣﺎﻭﺍ " ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﻣﻴﺮﻭﻥ
ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺑﻮﺭﻭ، ﻭﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻟﻮﺳﻄﻰ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ. ﻭﻛﺎﻧﺖ
ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ "ﺩﻳﻜﻮﺍ" ﺟﻨﻮﺏ ﺑﺤﻴﺮﺓ ﺗﺸﺎﺩ.
ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻲ
ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ١٩٠٠ﻡ، ﺍﺗﻔﻖ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻮﻥ ﻭﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻗﺘﺴﺎﻡ
ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺭﺍﺑﺢ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﻗﺘﺴﺎﻡ ﻫﻮ ﺟﺬﺭ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ
ﺗﻤﺎﻣﺎً، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﻳﻜﺲ ﺑﻴﻜﻮ ﺟﺬﺭ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ.
ﻭﺍﺟﻪ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﺷﺮﺳﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺭﺍﺑﺢ. ﻭﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎﻭﺷﺎﺕ
ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ، ﻭﻓﻲ " ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻛﻮﺳﻴﺮﻱ" ﺍﻟﻌﺎﻡ ١٩٠٠ﻡ، ﻗُﺘﻞ ﺭﺍﺑﺢ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ
ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺟﻴﺶ ﻓﺮﻧﺴﻲ ﺿﺨﻢ ﻫﺰﻡ ﻗﻮﺍﺗﻪ، ﻟﺘﻘﻊ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ
ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎً ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ . ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ١٩٠٠ﻡ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺗﺸﺎﺩ
ﺟﺰﺀﺍً ﻣﻦ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻻﺳﺘﻮﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ. ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﻘﺪ ﻣﻦ
ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺃﻗﺎﻡ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﻮﺑﻲ ﺗﺸﺎﺩ. ﻭﻧﻈﺮﺍً ﻟﻌﺰﻟﺔ
ﺗﺸﺎﺩ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻋﺪﻡ ﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻓﻲ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺗﺒﻘﻰ ﺷﺎﻏﺮﺓ. ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﺗﺸﺎﺩ
ﻣﻨﻔﻰ ﻟﻠﻤﻮﻇﻔﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﻐﻀﻮﺏ ﻋﻠﻴﻬﻢ. ﻭﻗﺪ ﻓﺸﻞ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ
ﻓﻲ ﺇﺧﻀﺎﻉ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ
ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻱ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﻭﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻘﻲ ﻣﺴﺘﻘﻼً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ ﻣﻦ
ﺁﻝ ﺍﻟﺴﻨﻮﺳﻲ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ
ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ "ﺑﺮﺍﺯﺍﻓﻴﻞ " ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻌﺎﻡ١٩٤٦ ﻡ.
ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﻨﺪﻳﻦ ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻳﻴﻦ ﻟﻤﺤﺎﺭﺑﺔ
ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮﺍﺗﻬﻢ ﺍﻻﺳﺘﻮﺍﺋﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻳﻴﻦ
ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﺨﺮﺓ ﻟﺪﻋﻢ ﺟﻬﻮﺩﻫﻢ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﻜﺎﻥ
ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻳﻬﺠﺮﻭﻥ ﻗﺮﺍﻫﻢ ﻓﺮﺍﺭﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﻨﻴﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﺨﺮﺓ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻭﻧﻮﻥ
ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ ﻳﺨﻄﻔﻮﻥ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ، ﻭﻳﺼﺎﺩﺭﻭﻥ
ﺍﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻘﻮﻟﺔ، ﻹﺟﺒﺎﺭ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻭﺍﻟﺨﻀﻮﻉ. ﻭﻛﺎﻧﺖ
ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺈﺣﺮﺍﻕ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ، ﻹﺟﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻤﻄﺎﻟﺒﻬﺎ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﻨﺪﻳﻦ.
ﺭﻛﺰ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ ﺟﻬﻮﺩﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ. ﻭﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻵﻻﻑ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺸﻴﻴﺪ ﺧﻂ ﺍﻟﺴﻜﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻣﻦ "ﺑﻮﻳﻨﺖ ﻧﻮﺍﺭ " ﺍﻟﻰ
" ﺑﺮﺍﺯﺍﻓﻴﻞ" ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻧﻐﻮ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﻄﺮﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ . ﻭﺗﻮﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ
ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺸﺎﻗﺔ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ .
ﻗﺎﻡ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺑﻀﺮﺏ ﻭﺗﺸﻮﻳﻪ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻱ ﺑﺼﻮﺭﺓ
ﻓﻈﻴﻌﺔ، ﻓﺘﺠﺎﻫﻠﻮﺍ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺍﻣﺖ ﻗﺮﻭﻧﺎً، ﻭﺩﻣﺮﻭﻫﺎ
ﺑﺎﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺒﺎﻫﻈﺔ، ﻭﻗﺘﻤﻮﺍ ﺑﺸﻖ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﻠﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ
ﺍﻷﻃﻠﻨﻄﻲ، ﻭﺗﻢ ﺇﺟﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﺍﻷﻣﺮ
ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻓﻘﺮ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻝ ﺗﺸﺎﺩ. ﻛﻤﺎ ﻓﺮﺿﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ
ﺿﺮﻳﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻭﺅﺱ ﻋﺎﻡ ١٩١٠ﻡ، ﺑﺤﺠﺔ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﺍﺕ ﻣﻜﺘﻔﻴﺔ
ﺫﺍﺗﻴﺎً، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻣﻜﺘﻔﻴﺔ ﺫﺍﻳﺘﺎً ﻗﺒﻞ ﻗﺪﻭﻡ
ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ. ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻮﺍ ﺣﺎﺻﻼﺕ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﻟﺪﻓﻊ ﺭﻭﺍﺗﺐ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ
ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺪﻡ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ
ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ. ﻭﻗﺪ ﺃﺟﺒﺮﺕ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﺍﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ﺍﻟﻤﺰﺍﺭﻋﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻰ ﺯﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ، ﺃﻭ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻴﺎﺕ
ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ. ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺠﺒﺮﻭﻥ ﻋﻦ ﺑﻴﻊ ﺍﻟﻘﻄﻦ ﺍﻟﻰ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ
ﺍﺣﺘﻜﺎﺭﻳﺔ ﺑﺄﺳﻌﺎﺭ ﺑﺨﺴﺔ . ﻭﺃﺩﻯ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻟﻘﺴﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺯﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﻘﻄﻦ
ﺍﻟﻰ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﻤﺠﺎﻋﺎﺕ ﻓﻲ ﺗﺸﺎﺩ، ﻛﻤﺎ ﺩُﻣﺮ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺈﺣﻼﻝ
ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ، ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ. ﻭﻗﺪ
ﺗﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮﻥ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻱ، ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ. ﻭﺃﺩﺕ ﺍﻷﻋﺒﺎﺀ
ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻘﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻰ ﻫﺮﻭﺏ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﻭﺍﻵﺧﺮ
ﺷﺮﻗﺎً ﻧﺤﻮ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ، ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﺳﻜﺎﻧﻴﺎً ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺸﺎﺩﻳﻴﻦ ﻣﻦ
ﺇﺛﻨﻴﺎﺕ ﻭﻗﺒﺎﺋﻞ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ . ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺃﺳﺴﺖ ﻓﻈﺎﺋﻊ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ
ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﻼﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﺍﻟﻼﺣﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﻧﺖ ﻭﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺸﺎﺩ، ﻭﻣﻌﻬﺎ
ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ، ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺬﺍ .

        المصدر.
(الموسوعة الحرة ويكيبيديا)
تم عمل هذا الموقع بواسطة